يملك هذا الحصن، إمّا بتسليمه إليه اختيارا، أو بأخذه إيّاه بالحرب كرها، وحقّق عنده أنه سائر لمنازلته وقتاله ليرى رأيه في إتمام ما شرعا فيه من الهدنة على هذه الشريطة، أو الرجوع عنها والاستعداد للحرب.
[قطبان أنطاكية يرفض التنازل عن الحصن ويحاصره]
وسار القطبان في الحال إلى الحصن بجيوشه، ونازله واحتاط بجميع عسكره سورا ارتفاعه خمسة أذرع، وعرضه أربعة أذرع، مرصوفا بالحجارة والخشب والتراب.
وحفر خارجا منه خندقا دائرا به، ونصب على الحصن القتال بالمنجنيقات، ولأنّ الحصن كان شاهقا ومؤسّسا على صخرة رافعة أصلح مقابله بنيّة مرصوفة أيضا بالحجارة والخشب والتراب اليابس، طولها زهاء ثلاثمائة ذراع، وعرضها ستّة وثلاثون ذراعا، شبيهة بالمزلقان إلى أن تعلو على الحصن، لتطلع المقاتلة عليها، ويحاربوا من في الحصن مواجهة.
[فشل المناورات في إبعاد قطبان أنطاكية عن الحصن]
وأطمع نصر بن مشرف للبربريّ في عسكر الروم، وأوهمه أنه إن قصده المسلمون رحل عن الحصن ولم يثبت عليه. فأنفذ عسكرا كبيرا من المشارقة والمغاربة والعرب إلى رفنيّة. وكاتب جماعة من أمراء بني كلاب يستدعي مجيئهم إلى العسكر والكون معه، فلم يلمّ به أحد منهم، ونزل العسكر تحت حصن أبي قبيس [1]، وأظهروا أنّهم على نيّة القصد لحصن إنّب ومنازلته طمعا في أن يرحل القطبان من على حصن بنكسرائيل، ليدفعهم عن حصن إنّب، فلم ينزعج لذلك، ولا اكترث بهم. وتردّد نصر ابن مشرّف نحو العسكر في جماعة معه، وأشرف عليه من أعلى الجبل دفعات، أملا أن يتمّ له شيء، فخاب ظنّه، وعاد في كلّ منها خازيا.
[فشل السّرايا التي خرجت للعرب أمام الروم والأرمن]
وتسرّعت أيضا سريّة من العسكر الوارد من جهة البربريّ، وسارت إلى ناحية جبلة، لتخطف من يخرج من العسكر الروميّ، ولقيها بعض أهل عسكرهم، وأوقع بها وأسر رئيسها وقوما آخرين معه، وولّى أقواهم على أعقابهم خازين، وأسرى أيضا في الحال سريّة أخرى من العرب الواردين في عسكرهم، وغيرهم من الأتراك والغلمان إلى [1] كذا، ونرجّح أنه حصن عديس بين بالس ومنبج. (معجم البلدان 2/ 264 مادّة الحصن).